السبت، 28 يوليو 2012

روسيا .. والبحث عن دور مفقود




ربما كونها الوريث الشرعى للاتحاد السوفيتى ، و ربما البحث عن زعامة ضاعت مع الزمن منذ الحرب الباردة ، ومحتمل أن يكون الخوف من تقويض مكانتها فى المنطقة أو غلق منفذ من منافذ بيع السلاح الروسى من خلال القضاء على المشترى "وهو النظام السورى" ، كثيرة هى الأسباب إذن سواء ظاهرة أو باطنة هى التى تدفع روسيا إلى أخذ موقف المؤيد للنظام السورى الحاكم ، حتى ولو كان ذلك ضد إرادة الشعب السورى نفسه .

لقد ملَّ الدب الروسى من تقوقعه بعيداً عن أحداث العالم وتغييراته لسنوات طويلة ، فقط مشاركة غير واضحة وغير مؤثرة تتلخص فى تصريحات المسؤلين الروس أو إستخدام الفيتو الذى أحيانا لا يؤثر عندما ترغب القوى الغربية فى تنفيذ ما تريده بأى ثمن ، فلاديمير بوتين أو "قيصر روسيا" كما تصفه دائما وسائل الاعلام الاوربية راغب فى أن يعود الدب الروسى إلى المياه الدافئة ، فهو يمد شراكته مع الدول التى انفصلت عن الاتحاد السوفيتى فى القدم ، ويبحث عن مراكز جديدة للصداقة و التعاون فى مناطق مختلفة حول العالم ، لكن ربما يأتى الربيع العربى بما لا يشتهي بوتين ، فالقاعدة البحرية الروسية فى ميناء طرطوس السورى باتت مهددة بالتفكيك و العودة الى الديار بمجرد سقوط نظام الأسد ، لقد بات عمرها من عمر النظام الحاكم فى سوريا ، وحيث أن النظام سيسقط ـ عاجلاً أو آجلاً ـ فإن المسألة قد باتت مسألة وقت و ليس أكثر.

بالتأكيد الأمر بالنسبة لروسيا ليس مجرد القاعدة البحرية الوحيدة خارج أراضيها .. تلك التى فى طرطوس ، وانما هو أكبر من ذلك بكثير حيث يتعلق الأمر بحليف استراتيجى فى المنطقة مهدد بالسقوط ، وعلى الحليف العظيم "أى روسيا" أن تبدى صداقتها الحقة من خلال إنقاذه ، بل أكثر من ذلك .. فروسيا تحلم بعودة مجد الاتحاد السوفيتى فى عالم باتت تهيمن عليه الولايات المتحدة و الاتحاد الاوربى ، هى إذن رغبة دفينة فى طيات النفس الروسية تبحث بها عن ذاتها الضائعة ، فالتصريح الذى نقلته وكالة الاعلام الروسية عن قائد البحرية هناك يدل على ذلك حيث قال أن بلاده تدرس إقامة قواعد بحرية لها فى الخارج وأنها تنظر إلى كوبا وفيتنام وجزر سيشل كمواقع محتملة .

16 شهرا من العنف والترويع و القصف ليست كافية لإقناع المسؤلين الروس بأن النظام السورى يقتل شعبه ، ثلاث مرات تستخدم فيها روسيا حق النقض "الفيتو" ضد مشروعات قرارات من شأنه زيادة الضغوط على نظام بشار الأسد ، بل ان تصريحات المسؤلين الروس تحمل دائما دفاعاً عن الأسد ونظامه ، غريب حقاً أن يصرح وزير الخارجية الروسى "سيرجى لافروف" بأن (الدعم الدولي للمعارضة السورية سيقود لمزيد من الدماء) بينما لم يتحدث عن الدعم الروسى للنظام الحاكم ! ، فهل ـ من وجهة نظره ـ دعم نظام بشار يؤدى إلى الاستقرار والهدوء ومنع إراقة الدماء ؟!


ــ بقلم: أحمد مصطفى الغـر

السبت، 14 يوليو 2012

ولد وبنت .. و إنترنت !


كان يشعر باستياء شديد كلما شاهد قنوات الأخبار وما تحتويه مشاهد نشراتها الإخبارية من قتل ودمار وخراب واختطاف، هذا غير الكوارث الطبيعية كالسيول والزلازل والبراكين.. قام بحذف قنوات الأخبار من على جهاز الاستقبال، لكن يبدو أن حذفها وحدها لم يكن كافياً، فالقنوات المتبقية تحتوى هى الأخرى على نشرات أخبار، وشريط سفلى للأخبار هو أيضا مملوء بالمصائب والكوارث وإن لم تكن مصورة فهى مكتوبة ومصحوبة بوصف بالغ الدقة يجعلك كأنك تشاهدها ، لذا قرر التوقف عن مشاهدة التليفزيون، واتجه إلى الراديو، فوجده قد أصبح شبيها بالتليفزيون فى محتواه، اتجه إلى الصحف والمجلات فوجدت صفحات الحوادث أصبحت أكثر عن ذى قبل، وأصبحت تحتل كل الصفحات تقريبا.

اتخذ قراراً أخيراً بالهروب إلى الإنترنت، ذلك العالم الافتراضى الواسع والغريب الأطوار، اتجه إلى غرف الشات (الدردشة) تلك التى يرتادها الكثيرين منا فى فترة المراهقة، ولا أعرف لماذا كنا نرتادها ونحن فى سن المراهقة ! ، رغم أن الهموم لم تكن مثل ما هى عليه الآن ، ورغم أن التليفزيون والراديو كانوا أفضل حالاً، ولم تكن نشرات الأخبار بهذه الفظاعة، حتى الكوارث لم تكن مثل كوارث هذه الأيام ، على أى حال .. الانترنت و الشات ومواقع التواصل الاجتماعى ليست قديمة العهد بالشكل الذى يجعلها من أيام الزمن الجميل .

على أى حال ها قد عاد إلى العالم الافتراضى، إلى فضاء واسع نتحاور فيه جميعاً، نتحدث مع أشخاص لا نعرفهم ولا يعرفوننا، وأحيانا نتبادل الصور وأرقام الهواتف، رغم أن ذلك من الأخطاء الساذجة، فهذه هى الصورة الوردية لاستخدام الإنترنت، بأن تتعرف على أصدقاء جدد فى دول ما وراء البحار، وأن تتبادل معهم الصور والعناوين والهواتف، عموما كنا نفعل ذلك غير مبالين إذا ما أساء شخص ما استخدام تلك البيانات، وفى إحدى غرف الشات دار هذا الحوار:
الولد : السلام عليكم ..
الشخص الآخر: هاى.
الولد: أنا اسمى (س) .. أى اسم افتراضى
الشخص الآخر: وأنا (ص) .. اسم افتراضى أيضا لكن لفتاة!

حاول أن يتطرق الى اى موضوع يخرجه من حالة الملل والسأم التى كان فيها، لكن بلا أدنى فائدة، فمازالت نشرات الأخبار تسيطر على حالته النفسية ..

الولد : (الحروب) قد زادت فى الفترة الأخيرة وزاد عدد ضحاياها !
البنت: أمممم،، كمان عدد المشتركين فى (الجروب) بتاعى على الفيس بوك زاد فى الفترة الأخيرة !
الولد : سمعت أن الأزمة الاقتصادية العالمية ما زالت مستمرة وتؤثر بشكل كبير على الأسعار والمبيعات.
البنت: أزمة؟! مبيعات؟!.. مفيش أزمة ولا حاجة.. وأحسن دليل أن مبيعات شريط أبوالليف حققت أرقاما قياسية.

يبدو ان الولد قادم من العالم الآخر .. يتحدث عن الشرق فتتحدث هى عن الغرب، يتحدث عن الفساد والتخلف والمشكلات، فتحدثه عن المكياج والأغانى والموضة، يحدثها عن شبرا فتحدثه عن الزمالك ومصر الجديدة، حاول أن ينهى الحوار قبل أن تسوء حالته.. على أى حال هى سيئة من الأساس، فكانت أفضل وسيلة لإنهاء الحوار هى التحدث عن الاحتباس الحرارى، وقد كان حدث ما أراد !

خرج من غرف الشات هارباً، فوجد الهموم فى مواجهته، حيث تتعقبه فى كل مكان، وكأن السطحية التى تملأ الجو من حوله تكاد تخنقنه ، اختفت الألوان من حوله ، وأصبح يكسوها اللونان الأبيض والأسود فقط ، هنا: فساد ورشوة وبيروقراطية.. وهناك: غش وتهريب وغياب النزاهة والعدالة الاجتماعية ، كل الأماكن ملوثة يخضبها الفساد بألوانه القاتمة ، أشفق على نفسى وأنا اكتب هذه الكلمات، كما أشفق عليك وأنت تقرؤها، فالدنيا ليست يأسا ومللا وسأما..فما زال يبقى الأمل..أمل فى التقدم والازدهار..أمل فى الرخاء والثراء.. وأفضل بداية لك- يا صديقى- هى ألا تعيد قراءة هذا المقال مرة أخرى، وأن تبحث عن مقال آخر يدعو إلى الحب والأمل والحياة من بين المقالات الرائعة فى هذه الجريدة.. لعله ينسيك ما قرأته فى هذا المقال.. و يا ليته يخرجك من حالة الملل واليأس التى ربما تكون قد أصابتك بعد أن قرأت مقالى.


بقلم: أحمد مصطفى الغـر