الأحد، 11 سبتمبر 2011

رسالة إلى الله



ربما كان القدر قد خطط له أن يكون فى مكان الجريمة بعد لحظات من وقوعها ، وربما لسوء حظه كان مجئ رجال الشرطة وهو مازال فى مسرح الجريمة .. بصماته فى كل مكان ،فقد حاول أن ينقذ القتيل قبل وصول الشرطة بلحظات ،لكن المجنى عليه فارق الحياة حتى قبل أن يفكر الرجل كيف سيساعده،وإلى أى مكان سينقله ؟!

يبدو أن القاتل قد هيئ مسرح الجريمة كى يسقط أول شخص يصل الى المكان، ومسح آثار بصماته ،و رتّب لوقت وصول الشرطة ، فكان الشرك الذى أعده محكم التخطيط والتنفيذ .

مرت الأيام واستمرت التحقيقات يوماً تلو الآخر ،يؤكد الرجل فى كل يوم أنه برئ من تهمة القتل وان مروره من المكان كان من قبيل المصادفة ،لكن ثبوت بعض الأدلة المفتعلة عليه جعل من براءته أمراً مستحيلاً ، طول فترة التحقيقات التى استمرت لأيام كثيرة جعله يفقد الأمل شيئاً فشيئاً فى أن يرى نور الحرية و العدالة. ، حاول الرجل أن يشرح موقفه ويؤكد براءته لقاضى المحكمة ، لكنها تلك الأدلة المصطنعة الملعونة تعاود فى الظهور مرة أخرى لتضعف من موقف الرجل وتثبت إدانته !

أصدر قاضى الدنيا حكمه على الرجل بأن تزهق روحه شنقاً ، فإنهار البرئ داخل قفصه الحديدى البغيض، ربما كان القاتل الحقيقى فى هذه الأثناء يمرح ويتسكع معتقداً أن حريته لن يسلبها منه أحد ، وأن حياته خالدة الى الأبد ، لا يعرف أن كل مجرم سيتألم من كل جريمة ارتكبها ولو بعد حين ،وأن قاضى الآخرة سيكون أكثر عدلاً وإنصافاً من قاضى الدنيا ،كما أن عقابه سيكون أقسى و أشد .

فى آخر أيام الرجل فى الدنيا ،وهو فى طريقه الى غرفة الاعدام ،طلب من شانقيه أن يعطوه ورقة و قلم كى يكتب خطاباً ..لقد كان الخطاب هو آخر ما يتمناه قبل الموت ، كتب الرجل بعض الكلمات ثم طوى الورقة وكتب العنوان عليها، نُفْذَ الحكم ،و فارق الرجل الدنيا ، تلك الدنيا المظلمة التى غابت عنها العدالة فى أشد حاجته إليها ، وغابت العدالة تماماً مثلما غابت الحرية والانسانية ، وانتشر بدلاً منها : الفساد والظلم والوحشية .

حاولوا فيما بعد ارسال الخطاب لكنهم فشلوا فى ذلك ، فالعنوان غير مدرج ضمن قوائهم البريدية .. وبعد جدال طويل ونقاش حاد استقروا على أن يضعوا ذلك الخطاب مع الرجل فى قبره لعله يصل ذات يوم الى العنوان المقصود .. لقد كان العنوان : ( رسالة إلى الله ) !


قصة قصيرة و رسوم / أحمد مصطفى الغـر


القصة حصلت على مركز متقدم بالمسابقة الادبية بجامعة طنطا ، و وصلت للمرحلة النهائية من التصفيات فى مسابقة مختبر السرديات بمكتبة الاسكندرية ، و قد تم نشرها فى العديد من الصحف والمجلات العربية المطبوعة والاليكترونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق