الخميس، 19 يناير 2012

سوريا .. وطن له أنين مكتوم !





ما يجري في سوريا هو نموذج حي للاستبداد والديكتاتورية المقنعة بهتافات قلة من السابحين فى فساد النظام ، أبواق إعلامية تروج لواقع غير موجود سوى فى مخيالاتهم ، فبرغم التعتيم الذى يفرضه النظام السورى على الأحداث التى تدور حلقاتها فى شوارع المدن السورية فإن صوراً وفيديوهات كثيرة قد تم بثها و و أخرى ربما سيتم بثها لاحقا لجرائم يرتكبها رجال نظام الأسد بحق أبناء شعبه !

الأسد يدمر سوريا ويرهن مستقبلها فى مقابل بقائه فى سدة الحكم ، بل و يجعل من إستقرار المنطقة بأكملها مرهون أمام بقاء نظامه ، لكن المشكلة الحقيقية ليست فى سقوط الأسد أو إهتزاز أمن المنطقة المهتز و المخترق أمنياً بالفعل ، بل تكمن المشكلة فى الخسائر التى يتكبدها الشعب السورى يومياً فى الأرواح ، و تتكبدها سوريا إقتصادياً و أمنيا مع مطلع شمس كل صباح ، فالأسد عندما يتحدث من خلال مساعديه ورجال نظامه عن أمن المنطقة هو يقصد بالأساس أمن إسرائيل ، تلك الجرثومة التى يعتنى بها دول الغرب أكثر من عنايتهم بمواطنيهم ، و للأسف فإن أمن إسرائيل لم يتأثر قط طيلة حكم الأسد الابن ، فما الذى يجعله يتأثر فى حال سقوطه ؟! ، حيث سيكون السوريون مشغلون بالدرجة الأولى ببناء دولتهم داخلياً أولا ، بمعنى بناء ما هو موجود فى أيديهم بالفعل قبل أن يتجهوا لإرجاع ما فقده الأجداد من الأرض ، بالتأكي هذا سيكون أفضل لسوريا فى حال غياب الأسد عن المشهد ، لأن بقائه يعنى ـ بشكل غير مباشرـ بقاء الجولان تحت سطوة الدولة الصهيونية .

" هو زاهد فى الحكم ، ويريد العودة الى مزاولة مهنة طب الاسنان " ، هكذا ردد مفتى الديار السورية أكثر من مرة متحدثا عن الرئيس السورى ، لكن مع كل مرة يردد فيها المفتى هذا الكلام فإن عدداً جديداً من قتلى الثورة السورية يسقط ، و أسماءاً اخرى يتم ضمها إلى قوائم الشهداء ، فهل ترك الرئيس للحكم و عودته إلى مزاولة طب الأسنان تستدعى كل هذه الدماء ؟! ، فحتى الأحياء من أبناء سوريا لا يأمنون على حياتهم من أن تصيبهم رصاصة غادرة من رجال النظام ، نحسبهم عند الله شهداء برغم كونهم احياء ، فمشاهد القتل لا تختلف كثيراً عن تلك التى كنا نشاهدها مع بدايات أحداث الثورة الليبية عندما جلب القذافى المرتزقة كى يساعدوا كتائبه لقتل و ترويع أبناء شعبه ، أولئك الذين طالبوا بحرية كانت ممنوعة فى عهده وكرامة مهدرة ، ودولة مفقودة الأركان ، وهيبة أضاعها بتصرفاته الجنونية .

فى الواقع إن هناك ما يرسخ فى عقلية الرؤساء أنهم خلقوا ليكونوا رؤساء ، هناك " حاشية " حولهم تقنعهم بأن حال البلاد سيكون أسوأ فى حيال غيابهم عن السلطة ! ، فيقتنع الرؤساء تحت ضغط " حاشية النفاق " ، و مطالبة وهتاف المأجورين من أتباعهم إلى البقاء فى السلطة ، مدة قد تطول .. لكنها نادراً ما تقصر ، ويبقى الموت هو المنقذ الوحيد للبلاد لتخليصها من هكذا رؤساء ، لكن فى زمان وصفه البعض بــ " الربيع العربى " ، عرفت الشعوب العربية بعد ان إستفاقت من غفوتها أن هناك منقذ آخر يمكن ان تتخذه وسيلة أيضاً للتخلص من الطغاة ألا وهى " الثورات " ، وبالرغم من غليان الشارع العربى منذ الشرارة الاولى التى أشعلها البوعزيزى فى تونس ، فإن كل رئيس يخرج على شعبه ليؤكد أنه مصمم على البقاء من أجل الحفاظ على أمن الوطن و إكمال مسيرته الاصلاحية التى بدأها منذ عقود ! ــ عن أي إصلاح يتحدثون ؟!

" فهمتكم" .. ثم " أعي مطالبكم" .. مروراً بــ " من أنتم ؟! " .. وصولاً لخطابات صالح و الأسد ، يمكننا أن نستنتج شيئاً واحداً فقط : الأوطان باقية .. الرؤساء راحلون .


ــ بقلم / أحمد مصطفى الغـر

الخميس، 12 يناير 2012

قصتان .. من دفاتر التاريخ المنسية !





اعتاد أن يسير وحيدا بدون حراسة فى المساء ليختلى بنفسه فى اى مكان هادئ ليستريح ويصفو ذهنه كى يستطيع التفكير فى مشاكل و شئون من يهتم بهم ، وفى مساء احد الايام كان يسير بجانب احد معسكرات الجيش ولم يتعرف عليه احد فى الظلام خاصة وقد رفع ياقة المعطف وانزل قبعته لاسفل ، وقف يراقب مجموعة من الجنود يبنون متراساً من الخشب , وكانوا يكافحون لرفع جذع ثقيل من الخشب بينما وقف الضابط المشرف عليهم فى احد الجوانب ملقيا عليهم الاوامر:"هيا هيا .. ارفعوه الان معا..." ، كان الجنود يلهثون من وطأة المجهود وكلما يرفعون الجذع يسقط منهم , فكان الضابط يصرخ فيهم ليعيدوا المحاولة ، و عندما رأى أمامه هذا المشهد فتقدم مساعدا الجنود بكل قوته , حتى تم وضع الجذع ثم التفت للضابط المشرف ، و سأله: "لماذا لاتساعد جنودك؟" ، فأجاب الضابط :"لاننى ضابط" ، فكشف عن نفسه وقال"وانا القائد العام للقوات المسلحة ، و حينما تجد فى المرة القادمة جذعا ثقيلا على جنودك استدعنى كى أساعدهم " ــ لقد كان هذا الشخص هو : جورج واشنطن ..الرئيس الأول للولايات المتحدة !

فى ظهر يوم السبت الموافق السادس من شهر سبتمبر عام 1999 ، و بينما يسير فى موكب مهيب ، يتقدمه الكثير من سيارات الحراسة و التشريفات ، إذا بمواطن يقترب من سيارته كى يوصل له شكواه بعد أن ضاقت أمامه السبل ، فقام حراسه بتصفية هذا المواطن فصار جثة هامدة ، و رددت الأبواق الاعلامية المنافقة المملوكة للدولة حينها أن المواطن كان يحاول إغتيال فخامة الرئيس وأنه كان يحمل فى يده مطواة ، و البعض زعم أنها زجاجة ماء نار ، وادعى غيرهم ان دوافع سياسية كانت هى التى تحركه ، لكن الحقائق كانت أنه مواطن بسيط لم لم يكن إنساناً خطيراً أو له ملف سوابق سواء جنائية أو سياسية فى أرشيف المباحث ، قال بعض المطلعين على كواليس الواقعة حينها أن هناك دماء تناثرت على بذلة فخامة الرئيس ، فأسرعوا بإحضار بذلة أخرى ، وقد تطوع أحد رجاله بإعطاؤه "كرافتته" ، بالمناسبة : هل تعلمون ان بذلة هذا الرئيس كانت تحوى خطوطا بها حروف اسمه بشكل متكرر ؟! ، مما يعنى انها قد نسجت أقمشتها للرئيس بشكل مخصوص دون غيره ، وصحيح ان هذا يتبعه الكثيرون من أثرياء العالم ..لكن لا يفترض بالرئيس فعل ذلك إذ انه حاكم يتقاضى ما يقارب 12 ألف جنيه فقط شهريا .. مما يعنى ــ منطقيا ـ انه ليس من الاثرياء ! ، و للعلم ايضا فقد أحالت وزارة الداخلية 14 ضابطاً الى المحاكمة التأديبية بتهم الاهمال و التقصير ، لقد كان هذا الرئيس هو : محمد حسنى مبارك ــ الرئيس السابق لجمهورية مصر العربية والذى حكمها لأكثر من ثلاثين عاماً متواصلة ! ، وقد خلعه الشعب من منصبه رغم إصراره على البقاء فيه حتى توافيه المنية ، كما أنه كان يخطط لتوريث نجله "جمال" الحكم من بعده !

لا أعتقد أنه يمكننى أن أضيف أى كلمات أخرى ، إذن فقد إنتهى المقال !

ـ بقلم / أحمد مصطفى الغـر

السبت، 7 يناير 2012

خطوة للامام .. فى مقابل قفزات للخلف


منذ سنوات قليلة ، كنا كثيرا ما نتساءل لماذا ـ مصر ـ كأكبر دولة عربية من حيث السكان والقيمة التاريخية و المكانية بين العرب يحكمها رجل واحد منذ قرابة ثلاثة عقود؟ ، ولماذا لا يثور شعبها ذاك الذى كثيراً ما ثار و كثيرا ما خاض الحروب ؟ ، وما الذى جعل أمور و أحوال الشعب الاقتصادية و الاجتماعية تصل الى ما وصلت اليه حتى شهور قليلة مضت حيث أشرقت شمس ثورة 25 يناير المجيدة ؟

لقد كان وصول الرئيس المخلوع حسني مبارك إلى السلطة في أعقاب اغتيال أنور السادات في عام 1981أمر يشبه الحلم بالنسبة له ،لذا لم يدع الرجل الفرصة تضيع من بين أصابعه و استغلها أفضل إستغلال ، ليبقى الرئيس و الحاكم الأوحد حتى 2011 ، رئيس بلا نائب لكن له وريث ، حاكم بلا معارضة لكن له معارضين مصطنعين من صنع أجهزته الأمنية التى كانت تسبح بحمد حكمه ليلا ونهاراً ، كرس نظام مبارك فكراً عاماً بأن قيادات الحزب الوطنى المنحل هم قيادات الدولة دون سواهم ، حتى ولو لم يكن لديهم من الخبرة ما يكفى لتولى المسئولية ،و أن الحزب فى ظل تولى أمين سياساته الشاب "جماك مبارك" سيخطو بمصر نحو مرحلة جديدة من الاصلاح ، وصفها المنافقون للنظام بأنها العبور الثانى تحت قيادة الطيار صاحب الضربة الجوية الأولى والتى شكك فى صحتها مؤخراً كثيرون ، و إمتد هذا الفكر ليتمخض عن فكرة أخرى وهى أن المعونة الامريكية جزء ضرورى للدفع بعجلة التنمية الى الامام ، وان المساعدات التى يتندر بها بعض الدول الاوربية على مصر ضرورة لا غنى عنها ، للأسف زرع النظام هذه الفكرة فى عقول البعض و إستخدم الأبواق الاعلامية الحكومية لتكريس ذلك ، لكن فى الواقع كانت تلك المساعدات ما هى الا ورقة ضغط قذرة ، وجزءاً منها كان دعما للنظام القهرى الديكتاروى الموالى لحكومات الغرب و الحامى للكيان الصهيونى ولو بشكل غير مباشر .

يؤلمنى أن أرى الدكتور كمال الجنزورى فى مؤتمره الصحفى الأخير يكرر حديثا سابقاً عن وعود بمساعدات من دول عربية شقيقة و دولا غربية ما لبثت أن إختفت ، حتى صندوق النقد الدولى مازال يماطل فى إعطاء القرض الذى وعد به من قبل ، وكيف أن اليونان بمجرد أن أعلنت عن أزمتها .. انتفضت دولاً كثيرة لمساعدتها فى أزمتها و من بين الدول التى قدمت يد العون دولاً عربية ! ، اننى أتعجب من كثرة تركيز الاعتماد على الولايات المتحدة فى التندر على مصر بمعونة او منح وقروض تساهم فى حل أزمتنا ، فهل تأبه الولايات المتحدة بأمرنا حقاً ؟ ، ويهمها أن تأخذ من أموال دافعى الضرائب هناك كى تمول نظاماً لا تعرف هويته بعد ، ولا يمكن التنبأ بمدى موالته لها و حمايته لأمن الكيان الصهيونى الملاصق لمصر ، فأمريكا لا تهب الأموال بلا مقابل ، واذا كانت أمريكا كثيراً ما كانت تعطى النصائح لمصر وللعرب عموماً عن ضرورة احترام حقوق الانسان و قيم الديموقراطية وهكذا شعارات لا تطبقها هى بالأساس على أراضيها .. فإن هذا لا يعنى أنها حقاً تريد أن تتحقق الديموقراطية الحقيقية على أرض بلاد العرب وخاصة تلك الملاصقة لاسرائيل ، ألم تكن تدعم أمريكا نظام مبارك الديكتاورى بمليارات الدولارات وهى تعلم جيداً حجم المعاناة التى يعانيها المصريون فى ظل حكمه و كيف تنتهك حقوق الانسان للدرجة التى تتنافى مع كل القيم و حتى الأديان؟!

إن دعوة د/الجنزروى الى ضرورة استثمار ما هو بين أيدينا ألان وترشيد استهلاكنا هو الحل الأمثل على الأقل فى الفترة الحالية حتى نتدبر أمر جذب الاستثمارات الخارجية مع عودة الأمن الى كامل أرجاء الوطن وعودة السياحة ، ونهاية فترة الانتخابات و تسليم السلطة الى رئيس منتخب وحكومة مشكلة من برلمان منتخب ، أنا شخصياً أعتقد أن تلك هى مجرد خطوة للامام و بالرغم من أنها متأخرة كثيراً إلا أنها أفضل من قفزات كثيرة للخلف حدثت فى عهد حكومة شفيق ومن بعده حكومة شرف ، ففى الواقع ان استثمار ما هو موجود أفضل بكثير من إستجداء الدول الغربية أو حتى الشقيقة ، و حسن استغلال الطاقة البشرية المصرية وحده هو ما سدفع بمصر نحو الامام .

بقلم /أحمد مصطفى الغـر